وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يعني من عظماء أهل الضلالة يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ أي: التي تدل على أعيانهم، وإن تغيرت صورهم قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ أي: كثرتكم أو جمعكم للأموال التي تدفع بها الآفات وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن الحق، أو على الخلق. وقرئ (تستكثرون) من الكثرة، أي: من الأتباع الذين يستعان بهم في دفع الملمات.
قال ابن القيّم: يعني ما نفعكم جمعكم وعشيرتكم وتجرؤكم على الحق ولا استكباركم.
وهذا إما نفي وإما استفهام وتوبيخ، وهو أبلغ وأفحم. ثم نظروا إلى الجنة فرأوا من الضعفاء الذين كان الكفار يسترذلونهم في الدنيا، ويزعمون أن الله لا يختصهم دونهم في الدنيا، فيقول لهم أهل الأعراف.
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)
أَهؤُلاءِ الضعفاء من المؤمنين الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ برفع درجاتهم في الآخرة، فها هم في الجنة يتمتعون ويتنعمون، وفي رياضها يحبرون.
وقوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ أي: لا خوف عليكم من العذاب النازل بالكفار، ولا تحزنون كحزن الكفار على فوات النعيم، وهذا إما من قول أصحاب الأعراف، يتآمرون بينهم بدخول الجنة بعد تبكيت أهل النار، فيقول بعضهم لبعض: ادخلوا الجنة، وإما من كلام أهل الأعراف للمؤمنين، أي يقولون لهم: أدخلوا الجنة، أو من تتمة مخاطبة أهل الأعراف للرجال، كأنه قيل لهم: أنظروا إلى هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته، كيف نالوها، حيث قيل من قبله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. وعلى كلّ فالجملة مبنية على قول محذوف إيجازا، للعلم به.