(الاصطناع) و (الاستخلاص) . ثم بيّن ما هو المقصود ب (الاصطناع) بقوله سبحانه اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي أي بمعجزاتي. كالعصا وبياض اليد وحل العقدة، مع ما استظهره على يده وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي أي لا تفترا ولا تقصّرا في ذكري بما يليق بي من النعوت الجليلة، عند تبليغ رسالتي والدعاء إليّ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة. وقد بيّن ذلك في قوله تعالى: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى [النازعات:
١٨- ١٩] ، وبمثل ذلك أمر نبينا صلوات الله عليه في قوله: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥] ، وظاهر أن الرجاء في (لعله) إنما هو منهما، لا من الله. فإنه لا يصح منه. ولذا قال القاضي: أي باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما. فإن الراجي، مجتهد والآيس متكلف. والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد- مع علمه بأنه لا يؤمن- إلزام الحجة، وقطع المعذرة، وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي يبادرنا بالعقوبة أَوْ أَنْ يَطْغى أي يزداد طغيانا بالعناد، في دفع حججنا، ثم يأمر بقتلنا، أو بالتخطي إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي، لجرأته وقسوة قلبه. واقتصر على الثاني الزمخشريّ. وأفاد أن في المجيء به هكذا على الإطلاق، وعلى سبيل الرمز، بابا من حسن الأدب، وتحاشيا عن التفوه بالعظيمة: قالَ لا تَخافا أي من فرطه وطغيانه إِنَّنِي مَعَكُما أي بالحفظ والنصرة أَسْمَعُ وَأَرى أي ما يجري بينكما وبينه. فأرعاكما بالحفظ.
فالمفعول محذوف للقرينة، أو نزل منزلة اللازم تتميما لما يستقبل به الحفظ. كأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر، سامع وبصير. وإذا كان الحافظ كذلك، تمّ الحفظ والتأييد، وذهبت المبالاة بالعدوّ.