وفي الآية إشعار بأنكم أحقّ بأن لا تزالوا تقاتلونهم. لأنهم قاطعون بأنكم على الحق وأنكم منصورون، وأنهم على الباطل وهم مخذولون، ولا بدّ وإن طال المدى.
لاعتمادكم على الله واعتمادهم على قوتهم. ومن وكل إلى نفسه ضاع. فالأمر الذي بينكم وبينهم أشدّ من الكلام. فينبغي الاستعداد له بعدّته، والتأهّب له بأهبته، فضلا عن أن يلتفت إلى التأثر بكلامهم الذي توحيه إليهم الشياطين طعنا في الدين، وصدّا عن السبيل. أشار لذلك البقاعي. ثم حذّر تعالى عن الارتداد بقوله: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وهو الإسلام. وبناء صيغة الافتعال من الردّة المؤذنة بالتكلف، إشارة إلى أنّ من باشر دين الحقّ يبعد أن يرجع عنه، فهو متكلف في ذلك فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي: بطلت جميع مساعيهم النافعة لهم، وردّت فِي الدُّنْيا- إذ يرفع الأمان عن أموالهم وأهلهم- وَالْآخِرَةِ- إذ يسقط ثوابهم فلا يجزون ثمّة بحسناتهم وَلا يقتصر عليه بل أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أي: أهل النار هُمْ فِيها خالِدُونَ مقيمون لا يموتون ولا يخرجون كسائر الكفّار.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بحرمة الشهر في نفسه وجواز قتال المخرجين أهل المسجد الحرام منه وَالَّذِينَ هاجَرُوا فتركوا مكة وعشائرهم إذ أخرجوا من المسجد الحرام وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولو في الشهر الحرام للدفع عن أنفسهم أُولئِكَ وإن باشروا القتال في الشهر الحرام يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ أي: جنّته على إيمانهم وهجرتهم وجهادهم. وإنما ثبت لهم الرجاء دون الفوز بالمرجوّ للإيذان بأنهم عالمون بأنّ العمل غير موجب للأجر، وإنما هو على طريق التفضّل منه سبحانه، لا لأنّ في فوزهم اشتباها وَاللَّهُ غَفُورٌ لهتكهم حرمة الشهر رَحِيمٌ بما تجاوز عن قتالهم، مع قيام دليل الحرمة فلم يعاقبهم.