في الفساد. قال القاشانيّ: لأن المحبة الحقيقية الخالصة لا تكون إلا بين الموحدين لكونها ظل الوحدة. فلا تكون في غيرهم لكونهم في عالم التضادّ. بل ربما تتألفهم الجنسية العامة الإنسانية لاشتراكهم في النوع والمنافع والملاذ واحتياجهم إلى التعاون فيها. والمنافع الدنيوية واللذات النفسانية سريعة الانقضاء فلا تدوم المحبة عليها. بخلاف المحبة الأولى فإنها مستندة إلى أمر لا تغير فيه أصلا.
قال الزمخشريّ: يقال: ألا في الأمر، يألو: إذا قصر فيه. ثم استعمل معدّى إلى مفعولين. في قولهم: لا آلوك نصحا، ولا آلوك جهدا، على التضمين. والمعنى:
لا أمنعك نصحا ولا أنقصكه. والخبال الفساد وَدُّوا ما عَنِتُّمْ أي عنتكم، على أن (ما) مصدرية، والعنت شدة الضرر والمشقة، أي تمنّوا ما يهلككم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي ظهر البغض الباطن حتى خرج من أفواههم لأنهم لا يتمالكون، مع ضبطهم أنفسهم وتحاملهم عليها، أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين. وقد قيل: كوامن النفوس تظهر على صفحات الوجوه وفلتات اللسان وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ مما ظهر. لأن ظهوره ليس عن روية واختيار بل فلتة. ومثله يكون قليلا قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ الدالة على سوء اتخاذكم إياهم بطانة لتمتنعوا منها فتخلصوا في الدين وتوالوا المؤمنين وتعادوا الكافرين إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي من أهل العقل. أو تعقلون ما بيّن لكم فعملتم به. قال الزمخشريّ: فإن قلت: كيف موقع هذه الجمل؟ قلت: يجوز أن يكون (لا يألونكم) صفة للبطانة.
وكذلك (قد بدت البغضاء) . كأنه قيل: بطانة غير آليكم خبالا، بادية بغضاؤهم.
وأما (قد بينا) فكلام مبتدأ. وأحسن منه وأبلغ أن تكون مستأنفات كلها على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة. ثم بيّن تعالى خطأهم في موالاتهم حيث يبذلونها لأهل البغضاء بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١١٩]]
ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ أي تخالطونهم وتفشون إليهم أسراركم ولا يفعلون مثل ذلك بكم، وقوله وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ الواو للحال وهي منتصبة