للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه:]

أخذ بعض المفسرين يحاول البحث بأن عنوان نفي الجناح- عمّا ذكر هنا- يفيد ثبوته فيما عداه، مع أنه لا جناح أيضا فيه. وتكلف للجواب- سامحه الله- ولا يخفاك أنّ مثل هذا العنوان كثيرا ما يراد به في التنزيل الترخيص والتسهيل. كما تكلف بعض بجعل (أو) بمعنى (إلّا) أو (حتى) وجعل الحرج بمعنى المهر مع أنّ الآية بيّنة بنفسها لا حاجة إلى أن تتجاذبها أطراف هذه الأبحاث. وعدولهم عن أقرب مما سلكوه- أعني كون (أو) بمعنى الواو- مع شيوعها في آيات كثيرة- عجيب وأعجب منه تخطئة من جنح لهذا الأقرب، مع أنّ مما يرشحه مساق الآية بعدها.

وما

روي في سبب نزول هذه الآية: قال الخازن: نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت لا جُناحَ عَلَيْكُمْ ... الآية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمتعها ولو بقلنسوتك

. وهذه الرواية- إن ثبتت- كانت شاهدة لما اعتمدناه، والله أعلم.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٧]]

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، - أي: الزوجات مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، أي: تجامعوهنّ.

قال أبو مسلم: وإنما كنى تعالى بقوله: تَمَسُّوهُنَّ عن المجامعة، تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به. وَقَدْ فَرَضْتُمْ، أي: سميتم لَهُنَّ فَرِيضَةً، أي: مهرا مقدّرا فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ، أي: فلهنّ نصف ما سميتم لهنّ من المهر، أو فالواجب عليكم ذلك إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ، أي: المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر. وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئا..؟. أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وهو الزوج فيسوق إليها المهر كاملا، أو الوليّ، يعني: إذا كانت صغيرة- أو غير جائزة التصرف- فيترك نصيبها للزوج.

قال مالك في (موطأه) في هذه الآية: هو الأب في ابنته البكر. والسيّد في أمته وكلا التأويلين مرويّ عن عدّة من الصحابة والتابعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>