وقد نقل الرازيّ عن بعض المعتزلة رده لجمل فيه- ساقها- صعب عليهم دركها. ولا إشكال فيها في الحقيقة بحمده تعالى. ولكن هم وأمثالهم ممن ضعفت عنايتهم بفن الحديث وغلب عليهم فن المعقول. ولقد فاتهم بسبب ذلك خير كثير. وليس في الأحاديث الصحيحة ما يناقض المفعول أو الواقع، بوجه ما، يعلم ذلك الراسخون، وفوق كل ذي علم عليم.
وقد بقي ممن رواه من الصحابة. غير من تقدم- سهل بن سعد وعبد الله بن حوالة الأزدي وعبد الله بن أسعد بن زرارة وأبو الدرداء وعبد الله بن عمر. وأما من رواه من التابعين مرسلا فكثير. منهم الحسن بن الحسين عليهما السلام وكعب ومحمد بن الحنفية وعروة وسفيان الثوري والوليد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي ليلى وآخرون. كما يعلم من مراجعة (الدرّ المنثور) للحافظ السيوطيّ.
وأما طرقه في الصحيحين. فقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : إنها تدور على أنس بن مالك مع اختلاف أصحابه عنه. فرواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة. وليس في أحاديث المعراج أصحّ منه. ورواه الزهريّ عنه عن أبي ذر. ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البنانيّ عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بلا واسطة. وفي سياق كل منهم عنه ما ليس عند الآخر. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]
قال ابن كثير: لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه. فإنه تعالى كثيرا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما السلام، وبين ذكر التوراة والقرآن. وقال الرازيّ لما ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، ذكر في هذه الآية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام قبله بالكتاب الذي آتاه. وقال الشهاب في (العناية) : عقبت آية الإسراء بهذه، استطرادا بجامع أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطي التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه. لأنه صح ثمة التكليم، وشرّف باسم الكليم مدمجا فيه تفاوت ما