للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ أي: رجوعكم بعد الموت يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بتمييز الحق من الباطل. وهذه الآية كقوله تعالى: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [الزخرف: ٣٢] .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٦٥]]

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ جمع خليفة. أي يخلف بعضكم بعضا فيها، فتعمرونها خلفا بعد سلف، للتصرف بوجوه مختلفة وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك. كقوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا [الزخرف: ٣٢] ، وقوله سبحانه: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء: ٢١] ، وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، أي امتحنكم، ليختبر الغنيّ في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.

وفي صحيح مسلم «١» عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء

. أفاده ابن كثير.

ثم رهّب تعالى من معصيته ورغّب في طاعته بقوله سبحانه إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ أي: لمن عصاه وخالف رسله وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي: لمن والاه واتبع رسله.

[لطائف:]

الأولى: قال السيوطيّ في (الإكليل) . استدل بقوله تعالى: جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ من أجاز أن يقال للإمام: خليفة الله. انتهى.

أي: بناء على وجه في الآية. وهو أن المعنى: جعلكم خلائف الله في الأرض


(١) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>