ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص البارئ بها بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أي بسبب أنه الحق، وجوده وإلهيته وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ أي بإحسانه في تهيئة أسبابه لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ أي عظيم الصبر على البأساء والضراء شَكُورٍ أي كثير الشكر للنعم، بالقيام بحقها وَإِذا غَشِيَهُمْ أي علاهم وأحاط بهم مَوْجٌ كَالظُّلَلِ أي كالسحب والحجب دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي التجأوا إليه تعالى وحده، لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد، بما دهاهم من الضر فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال ابن كثير: قال مجاهد: أي كافر، كأنه فسر (المقتصد) هاهنا بالجاحد كما قال تعالى:
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: ٦٥] وقال ابن زيد: هو المتوسط في العمل. وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [فاطر: ٣٢] الآية، فالمقتصد هاهنا هو المتوسط في العمل. ويحتمل، أن يكون مرادا هنا أيضا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر. ثم من بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات. فمن اقتصد بعد ذلك، كان مقصرا والحالة هذه، والله أعلم. انتهى وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ أي غدّار، ناقض للعهد الفطريّ ولعقد العزيمة وقت الهول البحريّ كَفُورٍ أي مبالغ في كفران نعمه تعالى. لا يقضي حقوقها، ولا يستعملها في محابّه.
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً أي ليس بمغن أحدهما عن الآخر شيئا، لانقطاع الوصل في ذلك اليوم الرهيب. قال أبو السعود: وتغيير النظم- في الثانية- للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزى. وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة إِنَّ