ثم أشار إلى بعض آياته الدالة على انفراده بالألوهية، بقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أي خلق قوتي الضحك والبكاء، أو أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، أو من شاء من أهل الدنيا، أو أعمّ.
قال الرازيّ: اختار هذين الوصفين لأنهما أمران لا يعللان، فلا يقدر أحد من الطبيعيين أن يبدي في اختصاص الإنسان بهما سببا، وإذا لم يعلل بأمر، فلا بد له من موجد، وهو الله تعالى. وأطال في ذلك وأطاب، رحمه الله تعالى.
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أي أمات من شاء من خلقه، وأحيى من شاء قال ابن جرير وعنى بقوله أَحْيا نفخ الروح في النطفة الميتة، فجعلها حية بتصييره الروح فيها وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى أي ابتدع إنشاءهما من نطفة إذا تدفق في الرحم. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى أي إعادة الخلق بعد مماتهم في نشاة أخرى لا تعلم، كما قال: وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
[الواقعة: ٦١] ، وذلك للحساب والجزاء، المرتب على أعمال الخير والشر، بالمصير إلى الجنة أو النار وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى أي أغنى من شاء بالمال. و (أقناه) أي جعل له قنية، وهو ما يدخره من أشرف أمواله. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وهو نجم مضيء خلف الجوزاء، وكان بعض أهل الجاهلية يعبده.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٠ الى ٥٦]
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى يعني قوم هود. وسميت الْأُولى لتقدمها في الزمان. وَثَمُودَ أي قوم صالح فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ أي أشد في كفرهم وَأَطْغى أي أشد طغيانا وعصيانا من الذين أهلكوا بعدهم، لتمردهم على الكفر، وردّ دعوته، في طول مدته بينهم، وهي أطول مدد الأنبياء عليهم السلام. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أي قرى قوم لوط التي ائتفكت بأهلها، أي انقلبت.
أَهْوى أي أهواها على أهلها ودمّرها. فَغَشَّاها ما غَشَّى أي من العذاب السماويّ الذي صب عليها. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ أي نعمائه. تَتَمارى أي ترتاب وتشكّ وتجادل في أنها ليست من عنده، وهو الذي أنعم بالإغناء والإقناء وإرسال