تحضر إخوة يوسف، حين أجمعوا أمرهم على إلقاء أخيهم في البئر، وهم يمكرون به، إذ حثوه على الخروج معهم، يبغون له الغوائل، وبأبيهم في استئذانه ليرسله معهم أي فلم تشاهدهم حتى تقف على ظواهر أسرارهم وبواطنها.
قال أبو السعود: وليس المراد مجرد نفي حضوره عليه الصلاة والسلام في مشهد إجماعهم ومكرهم فقط، بل سائر المشاهد أيضا. وإنما تخصيصه بالذكر لكونه مطلع القصة، وأخفى أحوالها كما ينبئ عنه قوله تعالى وَهُمْ يَمْكُرُونَ والخطاب- وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم- لكن المراد إلزام المكذبين. والمعنى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، إذ لا سبيل إلى معرفتك إياه سوى ذلك، إذ عدم سماعك ذلك من الغير، وعدم مطالعتك للكتب أمر لا يشك فيه المكذبون أيضا، ولم تكن بين ظهرانيهم عند وقوع الأمر حتى تعرفه كما هو، فتبلغه إليهم. وفيه تهكم بالكفار، فكأنهم يشكّون في ذلك فيدفع شكهم. وفيه أيضا إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع، وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه. يعني: أن مثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور والمشاهدة، وإذ ليس ذلك بالحضور فهو بالوحي. ومثله قوله تعالى: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران: ٤٤] ، وقوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ. انتهى.
وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٣]]
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ يريد به العموم، أو أهل مكة وَلَوْ حَرَصْتَ أي جهدت كل الجهد على إيمانهم، وبالغت في إظهار الآيات القاطعة الدالة على صدقك، بِمُؤْمِنِينَ أي بالكتب والرسل، لميلهم إلى الكفر، وسبيل الشر. يعني: قد وضح بمثل هذا النبأ نبوته صلوات الله عليه، وقامت الحجة، ومع ذلك فما آمن أكثر الناس، كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٨- ٦٧- ١٠٣- ١٢١- ١٣٩- ١٥٨- ١٧٤- ١٩٠] .
قال الرازي: ما معناه: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها، أن كفار قريش، وجماعة من اليهود، طلبوا من النبيّ عليه الصلاة والسلام قص نبأ يوسف تعنتا، فكان