للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يفهم من الآية أنهم يكونون على شيء من الدين، وهو- ولا شك- خير من لا شيء. ولا يفهم أنهم يكونون على الحق كله وعلى الدين الكامل الذي لا غاية أعظم منه، فإن ذلك لا يكون إلّا بالإسلام أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران: ٨٣] . انتهى.

ولا يخفى أنهم إذا أقاموا التوراة والإنجيل، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. لما تتقاضى إقامتهما الإيمان به. إذ كثر ما جاء فيهما من البشارات به والتنويه باسمه ودينه.

فإقامتهما على وجوههما تستدعي الإسلام البتة، بل هي هو، والله الموفق ...

وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أي: القرآن المجيد بالإيمان به. وفي التعبير بقوله تعالى لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ من التحقير والتصغير ما لا غاية وراءه. كما تقول: هذا ليس بشيء! تريد غاية تحقيره وتصغير شأنه. وفي أمثالهم: أقل من لا شيء. أي:

لستم على دين يعتد به حتى يسمى شيئا، لفساده وبطلانه.

ثم بيّن تعالى غلوّهم في العناد وعدم إفادة التبليغ فقال: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً. أي تماديا وَكُفْراً أي ثباتا على الكفر فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أي: فإذا بالغت في تبليغ ما أنزل إليك، فرأيت مزيد طغيانهم وكفرهم، فلا تحزن عليهم لغاية خبثهم في ذواتهم، فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك، وفي المؤمنين غنى عنهم.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٦٩]]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أي:

في الآخرة إذا خاف المقصرون وحزنوا على تضييع العمر..

[لطائف:]

الأول: (الصابئون) رفع على الابتداء. وخبره محذوف. والنية به التأخير عما في حيز (إن) من اسمها وخبرها. كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا. والصائبون كذلك، وأنشد سيبويه شاهدا له:

وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق

<<  <  ج: ص:  >  >>