الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه. أو يدعو بما هو شر وهو يحسبه خيرا. وكان الإنسان عجولا غير متبصرا لا يتدبر في أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به، وما هو شر جدير بالاستعاذة منه. انتهى.
ثم أشار تعالى إلى بعض وجوه الهداية في القرآن، بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالآيات والدلائل الآفاقية، التي كل منها برهان نيّر لا ريب فيه. ومنهاج بيّن لا يضل من ينتحيه، بقوله سبحانه:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ أي جعلناهما، بهيئاتهما وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر، علامتين تدلان على أن لهما خالقا حكيما: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أي بجعلها مظلمة وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أي مضيئة لتمييز الأشياء المحسوسة.
والإضافة فيهما إما بيانية، أي الآية التي هي الليل والآية التي هي النهار. وإما حقيقية.
وآية الليل والنهار نيّراهما. والمراد بمحو القمر خلقه مطموس النور في نفسه. أو نقص ما استفاده من الشمس شيئا فشيئا إلى المحاق. وبجعل الشمس مبصرة إبداعها مضيئة بالذات. ذات أشعة تبصر بها الأشياء، فالإسناد في (مبصرة) مجازي إلى السبب العاديّ، أو تجوز بعلاقة السبب. وقوله تعالى: لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ متعلق ب (جعلنا) أي لتطلبوا في النهار رزقا منه سبحانه بالانتشار للمعاش والصناعات والأعمال والأسفار. وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ أي الحساب المتعلق بما في ضمن السنين من الأشهر والليالي والأيام، أو الحساب الجاري في المعاملات، كالبيوع والإجارات. وفي العبادات، أي لتعرف مضيّ الآجال المضروبة لذلك. إذ لو لاه لما علم أحد حسبان الأوقات ولتعطلت الأمور.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : هذه الآية أصل في علم المواقيت والهيئة والتاريخ. وفي الآية لف ونشر غير مرتب. انتهى.
وقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أي مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا أي بيناه في القرآن بيانا بليغا لا التباس معه. كقوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: ٨٩] ، فظهر كونه هاديا للتي هي أقوم ظهورا بيّنا.