للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما قبله من إثابتهم عند توبتهم. و (ما) استفهامية مفيدة للنفي على أبلغ وجه وآكده. أي: أيّ شيء يفعل الله سبحانه بتعذيبكم؟ أيتشفى به من الغيظ؟ أم يدرك به الثار؟ أم يستجلب به نفعا؟ أم يستدفع به ضررا؟ كما هو شأن الملوك. وهو الغنيّ المتعالي عن أمثال ذلك. وإنما هو أمر يقتضيه كفركم. فإذا زال ذلك بالإيمان والشكر، انتفى التعذيب لا محالة. وتقديم (الشكر) على (الإيمان) لما أنه طريق موصل إليه. فإن الناظر يدرك أوّلا ما عليه من النعم الأنفسية والآفاقية فيشكر شكرا مبهما. ثم يترقى إلى معرفة المنعم فيؤمن به. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً الشكر منه تعالى المجازاة والثناء الجميل. كما في (القاموس) . ويرحم الله ابن القيم حيث يقول في (الكافية الشافية) :

وهو الشكور فلن يضيّع سعيهم ... لكن يضاعفه بلا حسبان

ما للعباد عليه حق واجب ... هو أوجب الأجر العظيم الشان

كلا ولا عمل لديه ضائع ... إن كان بالإخلاص والإحسان

إن عذّبوا فبعدله، أو نعّموا ... فبفضله، والحمد للرحمن

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤٨]]

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨)

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ أي: لا يحب الله تعالى أن يجهر أحد بالقبيح من القول إِلَّا مَنْ ظُلِمَ إلا جهر المظلوم بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء. فإن ذلك غير مسخوط عنده سبحانه، حتى إنه يجيب دعاءه. ومعلوم أن أنواع الظلم كثيرة. فما نقل عن السلف هنا من ذكر نوع منه، فليس المراد حصر معنى الآية فيه. بل القصد تنبيه المستمع على النوع. فمن ذلك ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس «١» في الآية، يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما. فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه. وذلك قوله إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وإن صبر فهو خير له. ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق وابن إسحاق وهنّاد بن السريّ عن مجاهد قال: هي في رجل أضاف رجلا فأساء قراه، فتحول عنه.

فجعل يثني عليه بما أولاه. فرخص له أن يثني عليه بما أولاه. وفي رواية عنه: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن. وفي


(١) تفسير الطبريّ، الأثر رقم ١٠٧٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>