للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة، وهاوية الهوى، فيكوى به. وإنما خصت هذه الأعضاء، لأن الشحّ مركوز في النفس، والنفس تغلب القلب من هذه الجهات، لا من جهة العلوّ التي هي جهة استيلاء الروح وممرّ الحقائق والأنوار، ولا من جهة السفل التي هي من جهة الطبيعة الجسمانية، لعدم تمكن الطبيعة من ذلك، فبقيت سائر الجهات، فيؤذى بها من الجهات الأربع ويعذب، كما تراه يعاب بها في الدنيا، ويجزى من هذه الجهات أيضا، إما بأن يواجه بها جهرا فيفضح، أو يسارّ بها في جنبه، أو يغتاب بها من وراء ظهره- انتهى-.

السابعة- قال أبو البقاء (يوم) من قوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها ظرف على المعنى. أي يعذبهم في ذلك اليوم. وقيل: تقديره عذاب يوم، وعذاب بدل من الأول، فلما حذف المضاف أقام (اليوم) مقامه. وقيل: التقدير اذكروا و (عليها) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل. وقيل: القائم مقام الفاعل مضمر، أي يحمى الوقود أو الجمر، و (بها) أي بالكنوز. وقيل: هي بمعنى (فيها) أي في جهنم وقيل:

(يوم) ظرف لمحذوف تقديره: يوم يحمى عليها يقال لهم هذا ما كنزتم.

ولما بيّن تعالى فيما تقدم إقدام الأحبار والرهبان على تغيير أحكام الله تعالى إيثارا لحظوظهم، أتبعه بما جرأ عليه المشركون في نظيره من تغيير الأشهر التي حرمها الله تعالى بغيرها. وهو النسيء الآتي، وقوفا مع شهواتهم أيضا، فنعى عليهم سعيهم في تغيير حكم السنة بحسب أهوائهم وآرائهم مما أوجب زيادة كفرهم، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٣٦]]

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ أي عددها عِنْدَ اللَّهِ أي في حكمه اثْنا عَشَرَ شَهْراً وهي القمرية التي عليها يدور فلك الأحكام الشرعية فِي كِتابِ اللَّهِ أي في اللوح المحفوظ، أو فيما أثبته وأوجبه من حكمه. وقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ متعلق بما في الجار والمجرور من معنى الاستقرار. أراد ب (الكتاب) على أنه مصدر،

<<  <  ج: ص:  >  >>