وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ أي ما تعيشون به من المطاعم والملابس وغيرهما، مما تقتضيه ضرورة الحياة وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ أي من الأنعام والدواب وما أشبهها. قال القاضي: وفذلكة الآية الاستدلال بجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين، مختلفة الأجزاء في الوضع، محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز أن لا يكون كذلك، على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد في الألوهية والامتنان على العباد، بما أنعم عليهم في ذلك، ليوّحدوه ويعبدوه. ثم بالغ في ذلك وقال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه.
شبه اقتداره على كل شيء وإيجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء، المعدّة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم، استعارة تمثيلية. أو شبّه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد. استعارة مكنية. ومعنى نُنَزِّلُهُ أي نوجده ونخرجه في عالم الشهادة. والقدر المعلوم الأجل المعين له، حسبما تقتضيه الحكمة، وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ أي تلقح السحاب أي تجعلها حوامل بالماء. وذلك أن السحاب بخار يصير، بإصابته الهواء البارد، حوامل للماء. قاله المهايمي: فاللواقح، عليه، جمع (ملقح) بحذف الزوائد. أو تلقح الشجر بجري مائها فيه أو تنميته ليثمر ويزهو. وجوّز كون اللواقح جمع (لاقح) وهي الناقة الحامل. فشبهت الريح التي تجيء بالمزن الممطرة بها. كما يشبه ما لا تكون كذلك ب (العقيم) فيقل: ريح عقيم. فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أي بقادرين على إيجاده وإنزاله. و (الخزن) اتخاذ الخزائن يستعار للقدرة، كما مرّ. أو بحافظين له في أمكنة ينابيعه، من سهول وجبال وعيون وآبار، بل هو تعالى وحده الذي حفظه