وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ أي بالصلح لتكفّ عنهم ظاهرا، وفي نيتهم الغدر فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ أي كافيك بنصره ومعونته. قال مجاهد: يريد قريظة. ثم علل كفايته له، بما أنعم عليه من تأييده صلّى الله عليه وسلّم بنصره وبالمؤمنين، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ أي يوم بدر بعد الضعف، من غير إعداد قوة ولا رباط وَبِالْمُؤْمِنِينَ.
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي جمع بين قلوبهم وكلمتهم، بالهدى الذي بعثك الله به إليهم، بعد ما كان فيها العصيبة والضغينة لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أي من الذهب والفضة ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ إذ لا يدخل ذلك تحت قدرة البشر، لكونه من عالم الغيب وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ أي بين قلوبهم بدينه الذي جمعهم إليه إِنَّهُ عَزِيزٌ أي غالب في ملكه وسلطانه على كل ظاهر وباطن حَكِيمٌ أي فاقتضت حكمته ذلك، لما فيه من تأييد دينه، وإعلاء كلمته.
قال الزمخشري رحمه الله تعالى: التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من الآيات الباهرة. لأن العرب، لما فيهم من الحمية والعصبية، والانطواء على الضغينة، في أدنى شيء، وإلقائه بين أعينهم، إلى أن ينتقموا، لا يكاد يأتلف منهم قلبان. ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واتحدوا وأنشأوا يرمون عن قوس واحدة، وذلك لما نظم الله من ألفتهم، وجمع من كلمتهم، وأحدث بينهم من التحابّ والتوادّ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت، وكلفهم من الحب في الله، والبغض في الله ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب، فهو يقلبها كما شاء، ويصنع فيها ما أراد. وقيل: هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم، ودق جماجمهم. ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى.
وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن، ويديم التحاسد والتنافس. وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه، ما آثرته أختها، وتكرهه وتنفر عنه، فأنساهم الله تعالى ذلك كله، حتى اتفقوا على الطاعة، وتصافوا وصاروا أنصارا وعادوا أعوانا،