فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أي فرّوا من عقابه إلى رحمته، بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته. قال الشهاب: الأمر بالفرار من العقاب، المراد به الأمر بالإيمان والطاعة، لأنه لأمنه من العقاب بالطاعة، كأنه فر لمأمنه. فهو استعارة تمثيلية. إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي أنذركم عقابه، وأخوّفكم عذابه الذي أحلّه بهؤلاء الأمم الذين قص عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة.
وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي قد أبان النذارة قال أبو السعود: وفيه تأكيد لما قبله من الأمر بالفرار من العقاب إليه تعالى، لكن لا بطريق التكرير- كما قيل- بل بالنهي عن سببه، وإيجاب الفرار منه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٢ الى ٥٤]
كَذلِكَ أي كما ذكر من تكذيبهم الرسول، وتسميتهم له ساحرا أو مجنونا ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ يعني تقليدا لآبائهم، واقتداء لآثارهم، فمورد جهالتهم مؤتلف، ومشرع تعنتهم متحد. وقوله تعالى:
أَتَواصَوْا بِهِ إنكار وتعجيب من حالهم وإجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة التي لا تكاد تخطر ببال أحد من العقلاء، فضلا عن التفوّه بها. أي أأوصى بهذا القول بعضهم بعضا حتى اتفقوا عليه. وقوله تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ إضراب عن كون مدار اتفاقهم على الشر تواصيهم بذلك، وإثبات لكونه أمرا أقبح من التواصي وأشنع منه، من الطغيان الشامل للكل، الدالّ على أن صدور تلك الكلمة الشنيعة من كل واحد منهم، بمقتضى جبلته الخبيثة، لا بموجب وصية من قبلهم بذلك- أفاده أبو السعود-.