الإحكام والتنزه عن الخلل، ومن الاشتمال على البراهين القاطعة والحجج الساطعة.
وهو بدل من (ما) أو خبر محذوف، أي هو حكمة بالغة فَما تُغْنِ النُّذُرُ جمع نذير. و (ما) نافية، أو استفهامية. أي: أيّ غناء تغنى عن قوم آثروا الضلالة على الهدى، فأعرضوا عنه، وكذبوا به. وجوز أن تكون حِكْمَةٌ بالِغَةٌ جملة مستأنفة للتعجب من حالهم، مع ما جاءهم مما يقود إلى الإيمان بادئ بدء. وهو ما يفهم من تأويل ابن كثير. وعبارته: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ أي في هدايته تعالى لمن هداه، وإضلاله لمن أضله فَما تُغْنِ النُّذُرُ يعني أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة وختم على قلبه. فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل: ٩] ، وكذا قوله تعالى: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس: ١٠١] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القمر (٥٤) : الآيات ٦ الى ٨]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي اصفح عن أذاهم، وانتظر ما يأتيهم من الوعيد الشديد، كما قال: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ أي داعي الله إلى موقف القيامة، وهو ملك. أو الدعاء تمثيل للإعادة كالأمر في قوله كُنْ فَيَكُونُ تمثيل للإبداء، والداعي هو الله تعالى: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ أي فظيع تنكره النفوس، وهو موقف الحساب والجزاء والبلاء خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أي من الذل والصغار يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ أي قبورهم كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ أي في الكثرة والتموج والانتشار. الجراد مثل في الكثرة مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ أي مسرعين مادّي أعناقهم إليه. يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ أي لشدة أهواله ويَوْمَ يَدْعُ ظرف ل يَقُولُ وقيل: بمضمر، وقيل: ب يَخْرُجُونَ والأول أظهر.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القمر (٥٤) : آية ٩]]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ أي زجر عن الإنذار والتبليغ بشدة وقساوة، كما يدل عليه صيغة (افتعل) .
قال الناصر: وليس قوله فَكَذَّبُوا الثاني تكرارا، لأن الأول مطلق، والثاني