للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء. وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد: أنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية. قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود ومحمد بن كعب، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدّيّ، والربيع ابن أنس، ومقاتل قالوا: لا يقربها وهو معتكف.

قال ابن كثير: وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء:

أنّ المعتكف يحرم عليه النساء مادام معتكفا في مسجده. ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بدّ له منها فلا يحلّ له أن يثبت فيه إلّا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك- من قضاء الغائط أو الأكل- وليس له أن يقبّل امرأته، ولا أن يضمّها إليه، ولا أن يشتغل بشيء سوى اعتكافه.

ثم قال ابن كثير: المراد بالمباشرة، الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك. فأمّا معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به.

فقد ثبت في (الصحيحين) «١» عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدني إليّ رأسه فأرجله وأنا حائض. وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإنسان.

وفي (الصحيحين) «٢» أيضا: أنّ صفية أم المؤمنين كانت تزور النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو معتكف في المسجد. فتتحدّث عنده ساعة ثمّ ترجع إلى منزلها. فيقوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليمشي معها حتى يبلغها دارها، وذلك في الليل.

[تنبيهان:]

الأول: قال الراغب: ظاهر ذكر المساجد يقتضي جواز الاعتكاف في كلّ مسجد.

الثاني: في ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام. كما ثبت في السنة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٣» أنّه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عزّ وجلّ، ثم اعتكف أزواجه


(١) أخرجه البخاريّ في: الاعتكاف، ٣- باب لا يدخل البيت إلا لحاجة.
ومسلم في: كتاب الحيض، حديث ٦ و ٩.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الاعتكاف، ٨- باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد.
ومسلم في: السلام، حديث ٢٤ و ٢٥.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الاعتكاف، ١- باب الاعتكاف في العشر الأواخر، عن عائشة.
ومسلم في: الاعتكاف، حديث ٣ و ٤ و ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>