للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى الإمام أحمد «١» عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن مروان قال:

اذهب يا رافع (لبوابه) إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس ما لكم وهذه، إنما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ- إلى قوله: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، وقال ابن عباس: سألهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه. وهكذا رواه البخاريّ في التفسير، ومسلم والترمذيّ والنسائيّ في تفسيريهما، وابن أبي حاتم وابن خزيمة والحاكم في مستدركه، وابن مردويه بنحوه. ورواه البخاريّ «٢» أيضا عن علقمة بن وقاص، أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس- فذكره- وروى البخاريّ «٣» عن أبي سعيد الخدريّ أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت لا تَحْسَبَنَّ ... الآية- وكذا رواه مسلم بنحوه.

ولا منافاة بين الروايتين لأن الآية عامة في جميع ما ذكر، ومعنى نزول الآية في ذلك وقوعها بعد ذلك، لا أن أحد الأمرين كان سببا لنزولها. كما حققناه غير مرة.

[تنبيه:]

هذه الآية، وإن كانت محمولة على الكفار لما تقدم، ففيها ترهيب للمؤمنين عما ذم عليه أهلها من الإصرار على القبائح والفرح بها ومحبة المدح بما عرا عنه من الفضائل. ويدخل في ذلك المراؤون المتكثرون بما لم يعطوا، كما جاء

في الصحيحين «٤» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة.


(١) أخرجه في المسند بالصفحة ٢٩٨ من ج ١.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٣- سورة آل عمران، ١٦- باب لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، حديث ١٩٨٨.
(٣) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٣- سورة آل عمران، ١٦- باب لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، حديث ١٩٨٧.
(٤)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٧٦ ونصه: عن ثابت بن الضحاك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال «ليس على رجل نذر فيما لا يملك. ولعن المؤمن كقتله. ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب يوم القيامة. ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة. ومن حلف على يمين صبر فاجرة»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>