للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُزْنِ

أي السحاب المعبر عنه بالسماء في غير ما آية أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ أي لكم إلى قرار الأرض، ومسلكوه ينابيع فيها لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً أي ملحا لا يصلح لشراب ولا زرع فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أي نعمة الله عليكم في جعله عذبا فراتا، لشربكم وزرعكم، وصلاح معايشكم ومنافعكم.

[لطيفة:]

قال الإمام ابن الأثير في (المثل السائر) في النوع الحادي عشر من المقالة الثانية، في بحث ورود لام التوكيد في الكلام، وأنها لا تجيء إلا لضرب من المبالغة، في سر مجيء اللام في قوله تعالى: لَجَعَلْناهُ حُطاماً دون قوله: جَعَلْناهُ أُجاجاً ما مثاله:

أدخلت اللام في آية المطعوم، دون آية المشروب. وإنما جاءت كذلك، لأن جعل الماء العذب ملحا. أسهل إمكانا في العرب والعادة. والموجود من الماء الملح، أكثر من الماء العذب. وكثيرا ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة، أحالتها إلى الملوحة. فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحا، إلى زيادة تأكيد.

فلذلك لم تدخل عليه لام التأكيد المفيدة زيادة التحقيق. وأم المطعوم فإن جعله حطاما من الأشياء الخارجة عن المعتاد، وإذا وقع فلا يكون إلا عن سخط من الله شديد، فلذلك قرن بلام التأكيد، زيادة في تحقيق أمره، وتقرير إيجاده. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧١ الى ٧٤]

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أي تقدحون. أي تستخرجونها من الزند، وهو العود الذي تقدح منه أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ أي بل نحن جعلناها مودعة في موضع. وللعرب شجريان: أحدهما المرخ، والأخرى العفار، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر، تباين من بينهما شرر النار. وقد تقدم بيانه في آخر سورة يس. نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً أي جعلنا نار الزناد تبصرة في أمر البعث، لأن من أخرج النار من الشجر الأخضر المضادّ لها، قادر على إعادة ما تفرقت مواده.

أو تذكيرا لنار جهنم وَمَتاعاً أي منفعة لِلْمُقْوِينَ أي المسافرين الذين ينزلون القواء، وهي القفر. يقال: أقوى إذا نزل القواء، كأصحر إذا دخل الصحراء، فإن الإفعال يكون للدخول في معنى مصدر مجرده.

<<  <  ج: ص:  >  >>