لتعاميهم عن الآيات الدالة على توحيده، أو عن القرآن وتأمل معانيه وتبصرها.
ولتصامّهم عن الحق واتباع الهدى. وقوله تعالى: وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أبلغ من (وكانوا صمّا) لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به. وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع. أفاده الزمخشريّ. وفي توصيفهم بالجملتين نكتة أخرى، بها تعلم أنه لا يستغنى بالثانية عن الأولى، كما زعم، وذلك- كما حققه الشهاب- إن قوله تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً لما أفاد أنهم كفاقدي حاسة السمع، ومن هو كذلك إنما يعرف الذكر بإشارة أو كتابة أو نحوهما، مما يدرك بالنظر، وذكر أن أعينهم محجوبة عن النظر فيما يدل عليه أيضا. فهم لا سبيل لهم إلى معرفة ذكره أصلا. وهذا من البلاغة بمكان.
قال أبو السعود: والموصول يعني (الذين) نعت للكافرين، أو بدل أو بيان جيء به لذمهم بما في حيز الصلة، وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم. فإن ذلك إنما هو لعدم استعمال مشاعرهم فيما عرض لهم في الدنيا من الآيات، وإعراضهم عنها، مع كونها أسبابا منجية عما ابتلوا به في الآخرة.
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ هذا رجوع إلى طليعة السورة في قوله تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الكهف: ٤] ، فهو من باب رد العجز على الصدر المقرر في البديع، جيء بالاستفهام الإنكاريّ، إنكارا لما وقع منهم وتوبيخا لهم. ومفعول (حسب) الثاني محذوف. أي أفحسبوا اتخاذهم نافعا لهم؟ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: ٨٢] ، كما قالوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ [سبأ: ٤١] ، إِنَّا أَعْتَدْنا أي هيأنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا أي شيئا يتمتعون به عند ورودهم. و (النزل) ما يقام للنزيل أي الضعيف. وفيه استعارة تهكمية. إذ جعل ما يعذبون به في جهنم كالزقوم والغسلين، ضيافة لهم.
وقال أبو السعود: وفيه تخطئة لهم في حسبانهم، وتهكم بهم. حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء، من قبيل إعتاد العتاد، وإعداد الزاد، ليوم المعاد. فكأنه قيل: إنا أعتدنا لهم، مكان ما أعدوا لأنفسهم، من العدة والذخر، جهنم عدة. وفي إيراد (النزل) إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له. أي لأن الضيف لا