للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.

وفي الصحيح «١» عن ابن عباس قال: لو غض الناس إلى الربع؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث: والثلث كثير (أو كبير) .

والوجه الأول حكاه ابن جرير من طريق العوفيّ عن ابن عباس. قال ابن كثير:

وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما.

ونقل الرازيّ عن القاضي: إن هذا الوجه أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام. فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها. ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود.

قال الزمخشريّ: والقول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى. ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب. ويدعوهم ب (يا بنيّ) ويا ولدي.

ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له، إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك. مثل

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: إنك أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس.

ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين.

[لطيفة:]

لا بد من حمل قوله تعالى: (تركوا) على المشارفة: ليصح وقوع (خافوا) خيرا له. ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة. ونظيره: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: ٢٣١] . أي شارفن بلوغ الأجل. ولهذا المجاز، في التعبير عن المشارفة على الترك، بالترك، سرّ بديع.

وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذبّ عن الذرية الضعاف. وهي الحالة التي، وإن كانت من الدنيا، إلا أنها لقربها من الآخرة، ولصوقها بالمفارقة، صارت من حيّزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك. كذا في الانتصاف.

[تنبيه:]

قال بعض المفسرين: إنه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.


(١) أخرجه البخاريّ في: الوصايا، ٣- باب الوصية بالثلث، حديث ١٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>