للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدلا، قال أبو السعود: أريد بأمرهم بإراءة الأصنام، مع كونها بمرأى منه صلّى الله عليه وسلّم. إظهار خطئهم العظيم واطلاعهم على بطلان رأيهم. أي أرونيها لأنظر بأي صفة ألحقتموها بالله الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة. وفيه مزيد تبكيت لهم بعد إلزام الحجة عليهم. وقد جوّز المعرب في (رأى) هنا أن تكون علمية متعدية بهمزة النقل. إلى ثلاثة مفاعيل: ياء المتكلم والموصول وشركاء. وعائد الموصول محذوف. أي ألحقتموهم. وأن تكون بصرية تعدت بالنقل لاثنين: ياء المتكلم والموصول، و (شركاء) حال. ولا ضعف في هذا كما قاله ابن عطية. بل فيه توبيخ لهم، إذ لم يرد حقيقته. لأنه كان يراهم ويعلمهم. فهو مجاز وتمثيل. والمعنى: ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون وهو خشب وحجر، تمت فضيحتكم. وقوله تعالى:

كَلَّا ردع لهم عن المشاركة، بعد إبطال المقايسة بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي الموصوف بالغلبة القاهرة والحكمة الباهرة. فأين شركاؤكم التي هي أخسّ الأشياء وأذلها، من هذه الرتبة العالية. والضمير إما لله عزّ وعلا، أو للشأن. قاله أبو السعود.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٨]]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨)

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي وما أرسلناك إلا إرسالة عامة لجميع الخلائق من المكلفين. تبشر من أطاعك بالجنة، وتنذر من عصاك بالنار، كقوله تبارك وتعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: ١٥٨] . تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] .

وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي فيحملهم جهلهم على ما هم فيه من الغيّ والضلال كقوله عز وجلّ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: ١٠٣] ، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: ١١٦] . قال ابن عباس- فيما رواه ابن أبي حاتم- إن الله تعالى فضل محمدا صلّى الله عليه وسلّم على أهل السماء وعلى الأنبياء. قالوا: يا ابن عباس! فبم فضله الله على الأنبياء؟ قال رضي الله عنه:

إن الله تعالى قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:

٤] ، وقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ. فأرسله الله تعالى إلى الجن والإنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>