كُتِبَ عَلَيْكُمْ أي: فرض عليكم فرضا مؤكّدا بمثابة المكتوب الذي لا يمحى ولا يعتوره تغيير إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي: قرب نزوله به بأن قرب مفارقته الحياة إِنْ تَرَكَ خَيْراً أي: مالا يورث الْوَصِيَّةُ أي: المعهودة، وهي وصيّة الله سبحانه وتعالى في إيتاء كل ذي حقّ حقّه، على ما بينته تلك الآية لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ أي: في إبلاغهم فرضهم المبين في آية يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فإنه أجمع آية حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ تأكيد للكتابة بأنها أمر ثابت لا يسوغ التسامح فيه بوجه ما فَمَنْ بَدَّلَهُ أي: هذا المكتوب الحقّ بَعْدَ ما سَمِعَهُ أي: فعلم الحق المفروض فيه فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي: فلا يخفى عليه شيء من حال الممتثل والمبدّل، وقوله تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أي: ميلا عمّا فرضه تعالى أَوْ إِثْماً أي: بقطع من يستحقّ عن حقّه، لما لا تخلو عنه كثير من الأنفس التي لم يدركها نور التهذيب فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ أي: بأمر رضي به الكل فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي: لأنّ الصلح جائز إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، والله أعلم. المنقول من الدفتر.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ- فرض- عَلَيْكُمُ الصِّيامُ وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
واعلم أنّ مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة لهم، وإحسانا إليهم، وحميّة، وجنّة..! فإن المقصود من الصيام: حبس النفس عن الشهوات، وفطمها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، لتسعد بطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به ممّا فيه حياتها الأبدية..! ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين..! وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كلّ عضو منها وكلّ قوّة عن جماحها، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنّة المجاهدين، ورياضة الأبرار والمقرّبين..! وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصائم لا يفعل شيئا، إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل