فجاءت بأمه كما قال فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ أي مع كونك بيد العدوّ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها أي برؤيتك وَلا تَحْزَنَ أي بفراقك. فهذه منن زائدة على النجاة من القتل.
ثم أشار إلى ما منّ عليه بالنجاة من القتل الذي لا يدفع بتلبيس، بقوله وَقَتَلْتَ نَفْساً أي من آل فرعون، وهو القبطيّ الذي استغاثه عليه الإسرائيليّ، إذ وكزه موسى فقضى عليه. أي: فاغتممت للقصاص فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ أي غم القتل بأن صرفنا عنك ما تخشاه. وذلك أنه عليه السلام فرّ من آل فرعون حتى ورد ماء مدين. وقال له ذلك الرجل الصالح لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥] ، وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً أي ابتليناك ابتلاء. على أن (الفتون) مصدر كالشكور، أو ضروبا من الفتن على أنه جمع (فتنة) أي فجعلنا لك فرجا ومخرجا منها. وهو إجمال لما سبق ذكره.
فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي معزز الجانب مكفيّ المؤونة في عشرة أتقى رجل منهم وأصلحهم، وهو نبيّهم عليه السلام ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أي بعد أن قضيت الأجل المضروب بينك وبين شعيب من الإجارة، جئت بأهلك على وفق ما سبق في قضائي وقدري أن أكلمك وأستنبئك في وقت يعينه قد وقّته لذلك. فما جئت إلا على ذلك القدر، غير مستقدم ولا مستأخر. فالأمر له تعالى. وهو المسيّر عباده وخلقه فيما يشاء.
قال أبو السعود: وقوله تعالى يا مُوسى تشريف له عليه الصلاة والسلام، وتنبيه على انتهاء الحكاية التي هي تفصيل المرة الأخرى التي وقعت قبل المرة المحكية أولا. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي تذكير لقوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ وتمهيد لإرساله عليه السلام إلى فرعون مؤيدا بأخيه و (الاصطناع) افتعال من (الصنع) بمعنى الصنيعة. يقال: اصطنع الأمير فلانا لنفسه، أي جعله محلّا لإكرامه باختياره وتقريبه منه، بجعله من خواص نفسه وندمائه، فاستعير استعارة تمثيلية من ذلك المعنى المشبه به إلى المشبه. وهو جعله نبيّا مكرما كليما منعما عليه بجلائل النعم. قال أبو السعود: والعدول عن نون العظمة الواقعة في قوله تعالى: وَفَتَنَّاكَ ونظيريه السابقين، تمهيد لإفراد لفظ (النفس) اللائق بالمقام، فإنه أدخل في تحقيق معنى