محمودة، وملاك كل خير وسعادة، به يحصل كل كمال، وأصله الصدق في عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه، كما قال: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: ٢٣] في عقد العزيمة، ووعد الخليقة. كما قال في إسماعيل: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مريم: ٥٤] . وإذا روعي في المواطن كلها، حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل، صدقت المنامات والواردات، والأحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات، كأنه أصل شجرة الكمال، وبذر ثمرة الأحوال.
انتهى.
ولما أوجب تعالى الكون مع الصادقين، أشار تعالى إلى أن النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم واجب كفاية، فلا يجوز تخلف الجميع، ولا يلزم النفر للناس كافة، فقال سبحانه:
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أي المتيسر لهم ملازمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أي عند توجهه إلى الغزو وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أي لا يضنوا بأنفسهم عما يصيب نفسه. أي لا يختاروا إبقاء أنفسهم على نفسه في الشدائد.
قال الزمخشري: أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه، علما بأنها أعز نفس عند الله وأكرمها عليه، فإذا تعرضت، مع كرامتها وعزتها، للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيموا لها وزنا، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه، فضلا عن أن يربئوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه. وهذا نهي بليغ، مع تقبيح لأمرهم، وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية. انتهى.