للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(العفو) ب (أو) مع دخوله في الخير بقسميه، للاعتداد به، والتنبيه على منزلته، وكونه من الخير بمكان مرتفع. وليس المراد أنه حينئذ هو المقصود وأنه من قبيل:

وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ [البقرة: ٩٨] . لأن مثله يعطف بالواو لا ب (أو) ولذا حمل الخير على الطاعة والبر مما هو عبادة وقربة فعلية. لتغاير العفو. فالمراد بالتوطئة ذكر ما هو مناسب وقدم عليه. كذا في (العناية) .

قال ابن كثير.

ورد في الأثر: أن حملة العرش يسبحون الله. فيقول بعضهم:

سبحانك على حلمك بعد علمك. ويقول بعضهم: سبحانك على عفوك بعد قدرتك.

وفي الحديث الصحيح «١» : ما نقصت صدقة من مال. وما زاد الله عبدا يعفو إلا عزّا. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

وقال الرازيّ: اعلم أن معاقد الخير على كثرتها محصورة في أمرين: صدق مع الحق وخلق مع الخلق والذي يتعلق مع الخلق محصور في قسمين: إيصال نفع إليهم.

ودفع ضرر عنهم. فقوله: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ إشارة إلى إيصال النفع إليهم.

وقوله أَوْ تَعْفُوا إشارة إلى دفع الضرر عنهم. فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير وأعمال البر.

ثم نزل في اليهود إلى أواخر السورة قوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٠]]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ قال ابن عباس: يعني كعبا وأصحابه وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ أي في الإيمان وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ من الرسل وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ منهم. كما قالوا: نؤمن بموسى والتوراة، ونكفر بما وراء ذلك. وما ذاك إلا كفر بالله تعالى ورسله، وتفريق بين الله تعالى ورسله في الإيمان.

لأنه تعالى قد أمرهم بالإيمان بكل نبيّ يأتي مصدقا لما معهم، ونصره. ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل، وبالله تعالى من حيث لا يحتسب. لأنهم لما تساووا


(١) أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>