أي كونهن مكرهات. على أن الإكراه مصدر من المبني للمفعول فإن توسيطه بين اسم (إن) وخبرها، للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة. وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى، إذا قرأ هذه الآية يقول: لهن، والله! لهن، والله! وفي تخصيصهما (بهن) وتعيين مدارهما، مع سبق ذكر المكرهين أيضا في الشرطية، دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية، كأنه قيل: لا للمكره. ولظهور هذا التقدير، اكتفى به عن العائد إلى اسم الشرط. فتجويز تعلقهما بهم بشرط التوبة استقلالا، أو معهن، إخلال بجزالة النظم الجليل، وتهوين لأمر النهي في مقام التهويل. وحاجتهن إلى المغفرة المنبئة عن سابقة الإثم، إما باعتبار أنهن وإن كن مكرهات، لا يخلون في تضاعيف الزنى عن شائبة مطاوعة ما يحكم الجبلة البشرية.
وإما باعتبار أن الإكراه قد يكون قاصرا عن حد الإلجاء المزيل للاختيار بالمرة. وإما لغاية تهويل أمر الزنى، وحث المكرهات على التثبت في التجافي عنه، والتشديد في تحذير المكرهين، ببيان أنهن حيث كن عرضة للعقوبة، لولا أن تداركهن المغفرة والرحمة، مع قيام العذر في حقهن. فما حال من يكرههن في استحقاق العذاب؟
انتهى كلام أبي السعود وقد أجاد في تحقيق المرام رحمه الله تعالى:
[تنبيه:]
قال في (الإكليل) : في الآية النهي عن إكراه الإماء على الزنى. وأن المكره غير مكلف ولا آثم. وأن الإكراه على الزنى يتصور. وإن مهر البغيّ حرام. وفيه رد على من أوجب الحد على المكره له.
ثم حذّر سبحانه من مخالفة ما نهى عنه، مما بينه أشد البيان، بقوله سبحانه:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ أي واضحات أو مفسرات لكل ما تهم حاجتكم إليه من عبادات ومعاملات وآداب. ومنه ما ذكر قبل، من النهي عن الإكراه.
فلا يخفى المراد منها وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ أي خبرا عظيما عن الأمم الماضية وما حل بهم، بظلمهم وتعدّيهم حدود الله وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أي فيتعظون به وينزجرون عما لا ينبغي لهم. كما قال تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا