بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ إضراب عما توهموا، ببيان أن الداعي إلى غيهم وعنادهم هو ما متعوا به في الحياة الدنيا ونعّموا به هم ومن قبلهم حتى طال عليهم الأمد. لا تأتيهم واعظة من عذاب ولا زاجرة من عقاب حتى حسبوا أنهم على شيء وأنهم لا يغلبون أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أي ننقص أرض الكفر فنخربها من نواحيها بقهرنا أهلها وغلبتنا لهم وإجلائهم عنها وقتلهم بالسيوف، فيعتبروا بذلك ويتعظوا به ويحذروا منا أن ننزل من بأسنا بهم نحو الذي قد أنزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف. أفاده ابن جرير. وهذا كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف: ٢٧] ، وقوله تعالى: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ أي أفهؤلاء المشركون المستعجلون بالعذاب، الغالبون لنا، وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرض؟
وفي التعريف تعريض بأنه تعالى هو الغالب المعروف بالقهر.
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أي تنزيل الله الذي يوحيه إليّ من عنده وأخوفكم به بأسه، لا بالإتيان بما تستعجلون، لأن ذلك ليس إليّ، على ما فيه من الحكمة في هذه البعثة التي بنيت على البراهين العقلية، لا الخارقات الحسية كما قدمنا. ثم أشار إلى كمال جهلهم وعنادهم، بأن هذا الإنذار لا يجديهم، بقوله تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ أي فهم لا يصغون بسمع قلوبهم إلى تذكر ما في وحي الله من المواعظ والذكرى، فيتذكرون بها ويعتبرون فينزجرون إذا تلي عليهم، بل يعرضون عن الاعتبار به والتفكير فيه، فعل الأصم الذي لا يسمع ما يقال له فيعمل به. وتقييد تصامهم بقوله إِذا ما يُنْذَرُونَ مع أنهم لا يسمعون نذارة ولا بشارة، إما لأن المقام مقام إنذار، أو لأن من لا يسمع إذا خوف، كيف يسمع في غيره، فهو أبلغ.