لفرط بخلهم. و (النقير) النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة والحقارة. كالفتيل والقطمير. والمراد بالملك إما ملك أهل الدنيا وإما ملك الله. كقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ [الإسراء: ١٠٠] .
وقال أبو السعود: وهذا هو البيان الكاشف عن كنه حالهم. وإذا كان شأنهم كذلك وهم ملوك فما ظنك بهم وهم أذلاء متفاقرون؟ ويجوز أن لا تكون الهمزة لإنكار الوقوع بل لإنكار الواقع والتوبيخ عليه. أي لعده منكرا غير لائق بالوقوع. على أن الفاء للعطف والإنكار متوجه إلى مجموع المعطوفين على معنى: ألهم نصيب وافر من الملك حيث كانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك فلا يؤتون الناس مع ذلك نقيرا؟ كما تقول لغنيّ لا يراعي أباه: ألك هذا القدر من المال فلا تنفق على أبيك شيئا؟ وفائدة (إذن) تأكيد الإنكار والتوبيخ. حيث يجعلون ثبوت النصيب سببا للمنع مع كونه سببا للإعطاء. وهي ملغاة عن العمل. كأنه قيل: فلا يؤتون الناس إذن: وقرئ: (فإذن لا يؤتوا) بالنصب على إعمالها.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٤]]
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ منقطعة أيضا مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق، أعني البخل، إلى توبيخهم بالحسد. وهما شر الرذائل كما قدمنا. وكأن بينهما تلازما وتجاذبا. واللام في (الناس) للعهد والإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
وروى الطبرانيّ بسنده عن ابن عباس في هذه الآية قال: نحن الناس دون الناس.
والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.
قال الرازيّ: وإنما حسن ذكر الناس لإرادة طائفة معينة من الناس. لأن المقصود من الخلق إنما هو القيام بالعبودية كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فما كان القائمون بهذا المقصود ليس إلا محمدا صلى الله عليه وسلم ومن كان على دينه- كان هو وأصحابه كأنهم كل الناس. فلهذا حسن إطلاق لفظ (الناس) وإرادتهم على التعيين عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو النبوة والكتاب والرشد وازدياد العز والنصر يوما فيوما. وقوله تعالى فَقَدْ آتَيْنا تعليل للإنكار والاستقباح وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم. وحسم لمادة حسدهم واستبعادهم،