لستم كذلك بل أنتم بشر مِمَّنْ خَلَقَ أي: من جنس من خلقه من غير مزية لكم عليهم يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ لمن تاب من اليهودية والنصرانية وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ من مات على اليهودية والنصرانية وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع، مصير من آمن ومن لم يؤمن. فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ أي: ما أمرتم به وما نهيتم عنه عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ متعلق ب (جاءكم) أي: جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل، وانقطاع من الوحي. إذ لم يكن بينه وبين عيسى رسول. ومدة الفترة بينهما خمسمائة وتسع وستون سنة. أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حذف المضاف. أي: كراهة أن تعتذروا بذلك يوم القيامة، وتقولوا: ما جاءنا من رسول- بعد ما درس الدين- يبشرنا لنرغب فنعمل بما يسعدنا فنفوز. وينذرنا لنرهب فنترك ما يشقينا فنسلم. وقد كان اختلط في تلك الفترة الحق بالباطل- كما سنبيّنه- فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة وتبين أنه معلل به. أي: لا تعتذروا (بما جاءنا) فقد جاءكم بشير أي بشير، ونذير أي نذير. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من إرسال الرسل، والصواب لمن أجاب الرسل، والعقاب لمن لم يجبهم.
قال البقاعيّ: وفي الختم بوصف القدرة، وإتباعه تذكيرهم ما صاروا إليه من العز بالنبوّة والملك، بعد ما كانوا فيه من الذل بالعبودية والجهل، إشارة إلى أن إنكارهم لأن يكون من ولد إسماعيل عليه السلام نبيّ، يلزم منه إنكارهم للقدرة.
[تنبيه:]
قال ابن كثير: كانت الفترة بين عيسى ابن مريم- آخر أنبياء بني إسرائيل- وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق. كما
ثبت في (صحيح البخاريّ)«١»
(١) أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٤٨- باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، حديث ١٦١٧.