وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أي سنأخذهم بالعذاب من طريق لا يعلمونها، أو نفتح لهم من الأحوال ما يلائم أهويتهم، ثم نهلكهم.
وأصل الاستدراج: أن يتدرج إلى الشيء قليلا قليلا، تشبيها بمن يرقى درجة درجة، حتى ينتهي إلى العلوّ. وقيل: أصله من الدرج الذي يطوى فكأنه يطوى منزلة بعد منزلة، كما يطوى الدرج. وقيل: لأنه من الدرجة فيكون، لأنه ينحط درجة بعد درجة حتى ينتهي إلى حال الهلاك.
وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم ليزدادوا إثما إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي قويّ شديد.
والمعنيّون بهذا الخطاب كفار مكة. قال في (التنوير) : هم أبو جهل وأصحابه المستهزئون، أخذهم الله بعذابه في يوم (أحد) ، وأهلك كل واحد بهلاك غير هلاك صاحبه. انتهى.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أي كما يختلقون. والاستفهام، للإنكار والتوبيخ. أي: أو لم يتفكروا في أنه ليس بصاحبهم الذي هو أعظم الأمة الهادية بالحق، شيء من جنة. وجوّز أن يكون الكلام تمّ عند قوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا إنكارا لعدم تفكرهم في شأنه، الموقف على صدقه، وصحة نبوته. ثم ابتدأ نفي الجنة عنه تعجيبا وتبكيتا. و (الجنة) مصدر، كالجلسة، بمعنى الجنون، وليس المراد به الجن. كما في قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: ٦] ، لأنه يحوج إلى تقدير