قالَ أي نوح يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أي أخبروني إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ أي برهان مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً أي هداية خاصة كشفيّة مِنْ عِنْدِهِ أي فوق طور العقل من العلوم اللدنية، ومقام النبوة فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي لاحتجابكم بالظاهر عن الباطن، وبالخليقة عن الحقيقة أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ يعني أنكرهكم على قبولها، ونقسركم على الاهتداء بها، وأنتم تكرهونها، ولا تختارونها، ولا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [البقرة: ٢٥٦] ، فالاستفهام للإنكار، أي لا نقدر على ذلك، والذي في وسعنا دعوتكم إلى الله، لا أن نضطركم إليها، فإن شئتم تلقيها فزكّوا نفوسكم، واتركوا إنكاركم، وفي طيّ جوابه عليه السلام حثّ على تدبرها، وردّ عن الإعراض عنها، بأسلوب فائق.
وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على تبليغ التوحيد مالًا، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ قال القاشانيّ: أي الغرض عندكم من كل أمر، محصور في حصول المعاش، وأنا لا أطلب ذلك منكم، فتنبهوا لغرضي، وأنتم عقلاء بزعمكم.
ثم لما بيّن أن لا وجه لكراهة دعوته، إذ لا تنقصهم من دنياهم شيئا، فلم يبق إلا خسّة أتباعه، ولا ترتفع إلا بطردهم، قال وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا أي لأنهم أهل القربة والمنزلة عند الله، وطردهم قد يكون مانعا لهم من الإيمان أو لأمثالهم.
ولا يفعل ذلك إلا عدوّ لله مناوئ لأوليائه. ولو كان طردهم سبب إيمانكم ولم يرتدوا، أخاف من طردهم شكايتهم، وهذا معنى قوله: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي فيخاصمون طاردهم عنده. أو المعنى: إنهم يلاقونه ويفوزون بقربه، فكيف أطردهم؟
ثم أشار إلى أن خسّتهم ليست مانعة من الإيمان، إذ لا تلحقهم، بقوله: