قادرين أوّلا- لأنه سابقة أصول النعم، ومقدّمتها، والسبب في التمكّن من العبادة والشكر وغيرهما-، ثمّ خلق الأرض- التي هي مكانهم، ومستقرّهم الذي لا بدّ لهم منه- وهي بمنزلة عرصة المسكن، ومتقلّبه، ومفترشه، ثمّ خلق السماء- التي هي كالقبّة المضروبة، والخيمة المطنّبة- على هذا القرار، ثمّ ما سوّاه عزّ وجلّ من شبه عقد النكاح بين المقلّة والمظلّة بإنزال الماء منها عليها، والإخراج به من بطنها أشباه النسل المنتج من الحيوان- من ألوان الثمار- رزقا لبني آدم، ليكون لهم ذلك معتبرا، ومتسلقا إلى النظر الموصل إلى التوحيد والاعتراف، ونعمة يتعرّفونها فيقابلونها بلازم الشكر، ويتفكّرون في خلق أنفسهم، وخلق ما فوقهم وتحتهم، وأنّ شيئا من هذه المخلوقات كلّها لا يقدر على إيجاد شيء منها، فيتيقّنوا- عند ذلك- أن لا بدّ لها من خالق- ليس كمثلها- حتى لا يجعلوا المخلوقات له أندادا، وهم يعلمون أنها تقدر على نحو ما هو عليه قادر.
ولمّا احتج عليهم بما يثبت الوحدانية، ويحققها. ويبطل الإشراك، ويهدمه، وعلم الطريق إلى إثبات ذلك، وتصحيحه. وعرّفهم أن من أشرك فقد كابر عقله، وغطى على ما أنعم عليه من معرفته وتمييزه- عطف على ذلك ما هو الحجّة على إثبات نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأراهم كيف يتعرّفون: أهو من عند الله- كما يدّعي- أم هو من عند نفسه- كما يدّعون-؟
بإرشادهم إلى أن يحزروا أنفسهم، ويذوقوا طباعهم، وهم أبناء جنسه، وأهل جلدته.