لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي لكي تفوزوا بسعادة الدارين. ولما زجر تعالى عن السفاح ومباديه القريبة والبعيدة، أمر بالنكاح. فإنه، مع كونه مقصودا بالذات من حيث كونه مناطا لبقاء النوع، خير مزجرة عن ذلك. فقال سبحانه:
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ أي زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر، ومن كان فيه صلاح غلمانكم وجواريكم، والخطاب للأولياء والسادات و (الأيامى) جمع أيّم. من لا زوجه له أو لا زوج لها. يكون للرجل والمرأة. يقال: آم وآمت وتأيّما، إذا لم يتزوجا، بكرين كانا أو ثيبين.
قال أبو السعود: واعتبار الصلاح في الأرقاء، لأن من لإصلاح له منهم، بمعزل من أن يكون خليقا بأن يعتني مولاه بشأنه، ويشفق عليه، ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعا وعادة، من بذل المال والمنافع. بل حقه ألا يستبقيه عنده. وأما عدم اعتبار الصلاح في الأحرار والحرائر، فلأن الغالب فيهم الصلاح. على أنهم مستبدون في التصرفات المتعلقة بأنفسهم وأموالهم. فإذا عزموا النكاح، فلا بد من مساعدة الأولياء لهم إذ ليس عليهم في ذلك غرامة، حتى يعتبر في مقابلتها غنيمة عائدة إليهم. عاجلة أو آجلة: وقيل: المراد هو الصلاح للنكاح والقيام بحقوقه. وقوله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إزاحة لما عسى يكون وازعا من النكاح من فقر أحد الجانبين. أي لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة.
فإن في فضل الله عزّ وجلّ غنية عن المال. فإنه غاد ورائح. يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب. أو وعد منه سبحانه بالإغناء. لكنه مشروط بالمشيئة. كما في قوله تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ [التوبة: ٢٨] ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أي غنيّ ذو سعة، لا يرزؤه إغناء الخلائق، إذ لا نفاذ لنعمته ولا غاية لقدرته. عَلِيمٌ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة. انتهى كلام أبي مسعود.
[تنبيهات:]
الأول- الأمر في الآية للندب. لما علم من أن النكاح أمر مندوب إليه. وقد