قال ابن كثير: معناه التبري منهم. أي لستم منا ولا نحن منكم. بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده، وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم وإن كذبتم فنحن براء منكم وأنتم براء منا. كما قال تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس: ٤١] . وقوله:
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [الكافرون:
١- ٣] . انتهى.
وما ذكره معنى دقيق، قلّ من يتفطن له، أسميه التفسير بالأشباه والنظائر. وهو حمل آية موجزة أو مجملة على آية تشبهها مطولة أو مبينة، ولا يدرك هذا إلا الراسخ في فن التأويل، الولع بتدبر التنزيل، ومن لطائف الآية ما ذكره الزمخشري والمنتصف، من أن هذا القول أدخل في الإنصاف من الأول. حيث أسند الإجرام إلى النفس، وأراد به الزلات والصغائر التي لا يخلوا عنها مؤمن، وأسند العمل إلى المخاطبين، وأراد به الكفر والمعاصي والكبائر. فعبر عن الهفوات بما يعبر به عن العظائم. وعن العظائم بما يعبر به عن الهفوات، التزاما للإنصاف. وزيادة على ذلك، أنه ذكر الإجرام المنسوب إلى النفس بصيغة الماضي، الذي يعطي تحقيق المعنى.
وعن العمل المنسوب إلى الخصم بما لا يعطي ذلك. والله أعلم.
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا أي يوم القيامة في صعيد واحد. ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ أي يقضي بالعدل. لأن أحد فريقينا على هدى والآخر على ضلال. فيتبين يومئذ المهتدي منا من الضالّ، ويجزى كلا بعمله، كما قال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ [الروم: ١٤- ١٦] .
ولهذا قال سبحانه: وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ أي الحاكم العادل العليم بالقضاء بين خلقه، لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تعرّفه المحق من المبطل.