أناس: قد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حدثنا أنه سيدخلها. فكانت رجعته فتنتهم.
وذلك عام الحديبية. ثم دخل مكة في العام المقبل. وأنزل الله عزّ وجلّ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ
ولا يقال: إن السورة مكية وقصة الحديبية بعد الهجرة، لاحتمال أنه رأى تلك الرؤيا بمكة، وتزلت عليه هذه الآية. ولكنه ذكرها عام الحديبية. لأنه كان إذ ذاك بمكة. فعلم أن دخوله بعد خروجه منها. كذا قيل.
وذهب بعضهم إلى أن كثيرا من السور المكية ضم إليها آيات مدنية، كما في (الإتقان) والطبّري رجح الأول وفاقا للأكثر. وقد قدمنا مرارا أن السلف قد يريدون بقولهم:(نزلت الآية في كذا) . أن لفظ الآية مما يشمل ذلك. لا أنه كان سببا لنزوله حقيقة. وعليه. فلا إشكال.
وقوله تعالى: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عطف على الرؤيا، والأكثرون على أنها شجرة الزقوم المذكورة في سورة الصافات في قوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: ٦٢- ٦٥] الآيات، وفتنتهم فيها ما رواه الطبريّ عن ابن عباس وقتادة أن أبا جهل قال: زعم صاحبكم هذا- يعني النبي صلوات الله عليه أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر! فكذبوا بذلك. وفي رواية أن أبا جهل قال: أيخوفني بشجر الزقوم؟ ثم دعا بتمر وزبد وجعل يأكل ويقول: تزقموا، فما نعلم الزقوم غير هذا. والمراد بلعنها في القرآن، لعن طاعمها فيه، على أنه مجاز في الإسناد. أو الملعون بمعنى المؤذي لأنها تغلي في البطون كغلي الحميم. فهو إما مجاز مرسل أو استعارة. وقوله تعالى: وَنُخَوِّفُهُمْ أي بذلك وبنظائره من الآيات فَما يَزِيدُهُمْ أي التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أي تماديا فيما هم فيه من الضلال والكفر.
قال المهايميّ: أي فلو أرسلنا إليهم الآيات المقترحة. لقالوا إنه أجلّ من أحاط بأبواب السحر. فلا فائدة في إرسالها سوى تعجيل العذاب الدنيويّ. لكنه ينافي إظهار دينه على الدين كله. ثم أشار تعالى إلى أن هذا الطغيان من اتباع الشيطان.
وأنه وحزبه، لعتوهم وتمردهم عن الحق، في النار، بقوله سبحانه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٢]