قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
ثم روى ابن إسحاق في قصته: أن النجاشيّ عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله. ويشهد أنّ عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم. انتهى.
وإسلام النجاشيّ معروف. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مات، صلّى عليه مع تباعد الديار.
وذكر شمس الدين بن القيّم في (زاد المعاد) : أنه كان مخرجهم إلى الحبشة في السنة الخامسة من المبعث.
[التنبيه الثاني:]
في الآية دليل على أن المشروع عند قراءة القرآن الخشوع والبكاء. وفي الخبر:
ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا. أخرجه المنذريّ في (الترغيب والترهيب) عن عبد الله بن عمرو. وقال: رواه الحاكم مرفوعا وصحّحه. والمراد إشراب القلب والخوف المهابة لله تعالى.
الثالث: في قوله تعالى: يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا وقوله فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا دليل على أن الإقرار داخل في الإيمان كما هو مذهب الفقهاء. وتعلقت الكرامية في أن الإيمان مجرد القول بقوله تعالى: بِما قالُوا، لكن الثناء بفيض الدمع في السباق، وبالإحسان في السياق، يدفع ذلك وأنّى يكون مجرد القول إيمانا وقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ؟ نفى الإيمان عنهم، مع قولهم آمَنَّا بِاللَّهِ لعدم التصديق بالقلب.
وقال أهل المعرفة: الموجود منهم ثلاثة أشياء: البكاء على الجفاء، والدعاء على العطاء، والرضا بالقضاء. فمن ادعى المعرفة، ولم يكن فيه هذه الثلاثة، فليس بصادق في دعواه..! أفاده النسفيّ.
وقال الخازن: إنما علق الثواب بمجرد القول، لأنه قد سبق وصفهم بما يدل على إخلاصهم فيما قالوا. وهو المعرفة والبكاء المؤذنان بحقيقة الإخلاص واستكانة القلب. لأن القول إذا اقترن بالمعرفة فهو الإيمان الحقيقيّ الموعود عليه بالثواب.
وقال الرازيّ: لما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد، ثم انضاف إليه القول، لا جرم كمل الإيمان.