أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا مظلم عندك أيها الملك! قال: فقال له النجاشيّ:
هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم! فقال له النجاشيّ: فاقرأه عليّ. قالت: فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) قالت: فبكى، والله! النجاشيّ حتى اخضلّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشيّ: إن هذا، والذي جاء به عيسى، ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فلا، والله! لا أسلمهم إليكما ولا يكادون.
قالت: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لآتينّه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم (أي شجرتهم التي منها تفرعوا) .
قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة- وكان أتقى الرجلين فينا-: لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله! لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد.
قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما. فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه.
قالت: ولم ينزل بنا مثلها قط. فاجتمع القوم. ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول، والله! ما قال الله وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. قال: فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ قالت: فقال جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاءنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت:
فضرب النجاشيّ بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا، ثم قال: والله! ما عدا عيسى ابن مريم، مما قلت. هذا العود. قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال. فقال:
وإن نخرتم، والله! اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي- والشيوم الآمنون- من سبّكم، غرم.
قالها ثلاثا.
ثم قال: ما أحب أن لي دبرا- والدبر الجبل- من ذهب وأني آذيت رجلا منكم. ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها.