وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من الخلق والعجائب- وهذا تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى. إثر بيان انتفائها عن غيره يَخْلُقُ ما يَشاءُ جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبهة في أمر المسيح- لولادته من غير أب، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص- أي: يخلق ما يشاء من أنواع الخلق كما شاء بأب أو بغير أب ... !
قال السمرقنديّ: وإنما قال يَخْلُقُ ما يَشاءُ لأن النصارى أهل نجران كانوا يقولون: لو كان عيسى بشرا كان له أب. فأخبرهم الله تعالى أنه قادر على أن يخلق خلقا بغير أب.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من خلق الخلق، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه- قَدِيرٌ.
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ حكاية لما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة. وبيان لبطلانها بعد بطلان ما صدر عن أحدهما. أي قالوا: نحن من الله بمنزلة الأبناء من الآباء في المنزلة والكرامة. ونحن أحباؤه لأننا على دينه.
قال ابن كثير: ونقلوا عن كتابهم أن الله قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري.
فحملوا هذا على غير تأويله وحرّفوه. وقد ردّ عليه غير واحد ممن أسلم من عقلائهم. وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام. كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، يعني ربي وربكم. ومعلوم أنهم لم يدّعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام، وإنما أرادوا بذلك معزّتهم لديه، وحظوتهم عنده..! انتهى.
وقال الجلال الدواني في (شرح عقائد العضد) : وما نقل عن الإنجيل- فعلى فرض صحته وعدم التحريف- يكون إطلاق الأب عليه بمعنى المبدأ. فإن القدماء كانوا يسمون المبادئ بالآباء. وأنت تعلم أن المتشابهات في القرآن وغيره من الكتب الإلهية كثيرة. ويردّها العلماء بالتأويل إلى ما علم بالدليل. فلو ثبت ذلك لكان من هذا القبيل. انتهى.