وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إرشاد إلى ما شرعه في الصوم- بعد بيان إيجابه على من وجب عليه، وحاله معه حضرا أو سفرا، وعدّته- من إحلال غشيان الزوج ليلا. وكأنّ الصحابة تحرّجوا عن ذلك ظنّا أنّه من تتمّة الصوم، ورأوا أن لا صبر لأنفسهم عنه، فبيّن لهم أن ذلك حلال لا حرج فيه.
وقد روى البخاريّ «١» عن البراء رضي الله عنه قال: لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ.
إيذانا بأنه أحلّه ولم يحرّمه، إذ لم يشرع من فضله ما فيه إعنات وحرج.
و (الرفث) أصله قول الفحش. وكنى به هنا عن الجماع وما يتبعه. كما كنى عنه في قوله: فَلَمَّا تَغَشَّاها [الأعراف: ١٨٩] ، وقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ [البقرة:
٢٢٣] . فالله تعالى كريم يكني، وإيثار الكناية عنه- هنا- بلفظ الرفث الدال على معنى القبح- عدا بقية الآيات- استهجانا لما وجد منهم قبل الإباحة، كما سماه اختيانا لأنفسهم. والكناية عما يستقبح ذكره بما يستحسن لفظه من سنن العرب.
وللثعالبيّ في آخر كتابه (فقه اللغة) فصل في ذلك بديع.