ثم إنّ المستعمل الشائع: رفث بالمرأة- بالباء- وإنما عدي هنا ب (إلى) لتضمنه معنى الإفضاء، كما في قوله: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ [النساء:
٢١] .
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ قال الراغب: جعل اللباس كناية عن الزوج لكونه سترا لنفسه ولزوجه أن يظهر منهما سوء، كما أن اللباس ستر يمنع أن يبدو منه السّوأة. وعلى ذلك كنى عن المرأة بالإزار، وسمّي النكاح حصنا لكونه حصنا لذويه عن تعاطي القبيح.
وهذا ألطف من قول بعضهم: شبّه كل واحد من الزوجين- لاشتماله على صاحبه في العناق والضمّ- باللباس المشتمل على لابسه، وفيه قال الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنّت فكانت عليه لباسا
وقال الزمخشريّ: فإن قلت: ما موقع قوله: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ؟ قلت: هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهنّ مثل هذه المخالطة والملابسة، قلّ صبركم عنهن، وصعب عليكم اجتنابهنّ فلذلك رخّص لكم في مباشرتهنّ.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ استئناف آخر مبين لما ذكر من السبب وهو (اختيان النفس) ، أي: قلة تصبيرها من نزوعها إلى رغيبتها. ومنه: خانته رجلاه إذا لم يقدر على المشي. أي: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم لو لم يحلّ لكم ذلك فأحلّه رحمة بكم ولطفا، وفي (الاختيان) وجه آخر وهو: أنّه عنى به مخالفة الحقّ بنقض العهد، أي: كنتم تظلمونها بذلك- بتعريضها للعقاب- لو لم يحلّ ذلك لكم. قالوا: والاختيان أبلغ من الخيانة- كالاكتساب من الكسب- ففيه زيادة وشدّة.
ثمّ أشار تعالى إلى لطفه بالمؤمنين بتخفيفه ما كان يغلّهم ويثقلهم ويخونهم لولا رحمته، بقوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ أي: عاد بفضله وتيسيره عليكم برفع الحرج في الرفث ليلا وَعَفا عَنْكُمْ أي: جاوز عنكم تحريمه، ف (العفو) بمعنى التوسعة والتخفيف. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ قال أبو البقاء: حقيقة (الآن) الوقت الذي أنت فيه وقد يقع على الماضي القريب منك، وعلى المستقبل القريب وقوعه. تنزيلا للقريب منزلة الحاضر وهو المراد- هنا- لأنّ قوله فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه فعلى هذا (الآن) ظرف