والحيوانات، حتى الهوامّ وأدنى حشرات الأرض. هكذا حكى عنهم بعض المدققين.
وقد ذكر الشهرستانيّ في (الملل والنحل) أن فرعون كان أول أمره على مذهب الصابئة، ثم انحرف عن ذلك، وادعى لنفسه الربوبية، إذ رأى في نفسه قوة الاستعمال والاستخدام. انتهى.
وتقدم في سورة البقرة بيان مذهب الصابئة. فتذكّر.
وقال بعضهم: إن كلمة (الآلهة) لفظة اصطلاحية عند العبرانيين، يراد بها القضاة والحكام الذين يقضون بأمر الله، وأنها لو حملت على هذا هاهنا، لم يبعد، ويكون المعنى: وبذرك وقضاتك وذوي أمرك، ويكون الغرض من ذكرهم معه تهويل الأمر، وإلهاب قلب فرعون على موسى، وإثارة غضبه. وقد صرح غير واحد بوقوع ألفاظ من غير العربية في القرآن، كما نقله السيوطي في النوع الثامن والثلاثين من (الإتقان) - انتهى- والأظهر ما قدمناه أولا. قالَ سَنُقَتِّلُ قرئ بالتخفيف والتشديد أَبْناءَهُمْ المولودين وَنَسْتَحْيِي أي نستبقي نِساءَهُمْ أي للاستخدام وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ أي بالغلبة والقدرة عليهم، ففعلوا بهم ذلك، فشكا بنو إسرائيل.
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا أي على أذاهم إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها أي يعطيها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعني أن النصر والظفر للمتقين على عدوّهم. وكان تعالى وعد موسى بأنه سيطرد المصريين من أرضهم، ويهلكهم وينجي قومه من عذاب آل فرعون لهم.
[تنبيه:]
قال الجشمي: تدل الآيات على أن قوم فرعون، لما عجزوا عن موسى في آياته، عدلوا إلى إغراء فرعون بموسى، وأوهموه أن تركه فساد في الأرض، وأنه عند ذلك أوعده. وذلك من أدلّ الدليل على نبوة موسى، لأن قتل صاحب المعجزة لا يقدح في معجزته، ولهذا قال مشايخنا: إن العرب لما عدلوا عن معارضة القرآن، التي في إيرادها إبطال أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلى القتال، الذي لا يفيد ذلك- دلّ على عجزهم.
وهكذا حال كل ضالّ مبتدع، إذا أعيته الحجة، عدل إلى التهديد والوعيد. وتدل على أن عند الخوف من الظّلمة يجب الفزع إلى الله تعالى، والاستعانة به، والصبر.