تكون من الحيّ الذي له مزاج. وما له مزاج فهو مركب ونهايته إلى انحلال وفناء، وهو سبحانه تنزه عن ذلك، كما قال: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً أي مملوكا له يأوي إليه بالعبودية والذل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا أي حصرهم وأحاط بهم إحاطة لا يخرج بها أحد عن حيطة علمه وقبضة قدرته وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً أي منفردا مجردا من الأتباع والأنصار، وعمن زعم أن له من الشفعاء. فإنهم منهم برآء. ولما فصل مساوئ الكفرة، تأثره بمحاسن البررة، فقال سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٩٦]]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة، من غير تعرض للأسباب التي تكسب الود. كذا قالوا في تأويله. وقال أبو مسلم: معناه أنه يهب لهم ما يحبون. قال: والود والمحبة سواء. آتيت فلانا محبته. وجعل لهم ما يحبون وجعلت له وده. ومن كلامهم:
وددت لو كان كذا. أي أحببت. فمعناه سيعطيهم الرحمن ودهم أي محبوبهم في الجنة. ثم قال أبو مسلم: وهذا القول الثاني أولى لوجوه: أحدها- كيف يصح القول الأول مع علمنا بأن المسلم المتقي يبغضه الكفار وقد يبغضه كثير من المسلمين؟
وثانيها- أن مثل هذه المحبة قد تحصل للكفار والفساق أكثر، فكيف يمكن جعله إنعاما في حق المؤمنين؟ وثالثها- أن محبتهم في قلوبهم من فعلهم. فكان حمل الآية على إعطاء المنافع الأخروية أولى. انتهى. وقد حاول الرازيّ التمويه في اختيار الأول والجواب عن الثاني. والحق أحق. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٩٧]]
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ أي سهلنا هذا القرآن بلغتك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا عقاب الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، بالجنة وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا