ونقول إنه سماهم فاسقين على تقدير التولي، فإن اسم الفسق ليس أقبح من اسم الشرك، وقد ذكر تعالى على سبيل الفرض والتقدير في قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فكذا هاهنا- نقله الرازيّ-.
ولما بين تعالى أن الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم شرع شرعه وأوجبه على جميع من مضى من الأنبياء والأمم، لزم أن كل من كره ذلك فإنه يكون طالبا دينا غير دين الله. فلهذا قال:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٨٣]]
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً أي استسلم له من فيهما بالخضوع والانقياد لمراده والجري تحت قضائه، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرعد: ١٥] . وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ [النحل: ٤٨] . لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [النحل: ٤٩] .
فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم له كرها. فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع- أفاده ابن كثير وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ يوم القيامة فيجزي كلا بعمله، والجملة سيقت للتهديد والوعيد.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٨٤]]