للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أسعف بطلبته استبعد واستعجب؟ قلت: ليجاب بما أجيب به، فيزداد المؤمنون إيقانا، ويرتدع المبطلون. وإلا فمعتقد زكريّا أولا وآخرا، كان على منهاج واحد، في أن الله غنيّ عن الأسباب. انتهى.

وقال أبو السعود: إنما قاله عليه السلام، مع سبق دعائه بذلك وقوة يقينه بقدرة الله، لا سيما بعد مشاهدته للشواهد المذكورة في سورة آل عمران، استعظاما لقدرة الله تعالى، وتعجيبا منها، واعتدادا بنعمته تعالى عليه في ذلك، بإظهار أنه من محض لطف الله عز وعلا وفضله. مع كونه في نفسه من الأمور المستحيلة عادة، لا استبعادا له. وقيل: كان ذلك منه استفهاما عن كيفية حدوثه. أي: أيكون الولد ونحن كذلك؟ فقيل: كذلك. أي يكون الولد وأنتما كذلك.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ١٠]]

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي علامة تدلني على تحقق المسؤول ووقوع الحمل، ليطمئن قلبي قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا أي: أن لا تقدر على تكليمهم، حال كونك سويا، بلا مرض في بدنك، ولا في لسانك.

[لطيفة:]

إنما ذكر (الليالي) هنا، و (الأيام) في آل عمران، للدلالة على أنه استمر عليه المنع من كلام الناس، والتجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام بلياليها. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر. والنكتة في الاكتفاء ب (الليالي) هنا وب (الأيام) ثمّ، أن هذه السورة مكية سابقة النزول. وتلك مدنية. والليالي عندهم سابقة على الأيام. لأن شهورهم وسنيّهم قمرية، إنما تعرف بالأهلة. ولذلك اعتبروها، في التاريخ، كما ذكره النحاة، فأعطي السابق للسابق.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ١١]]

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ أي مصلاه أو غرفته فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أي أشار إليهم رمزا أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي صلوا لله طرفي النهار، وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>