للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورؤيتهم له بعد ذلك، إنما هو من تطور روحه. لأنه عليه السلام كان له قوة التطور:

وهذا من أحكام الروح والنفس.

ولئن قلنا إنه لا يدل على الرفع بالوجه التام، غير أنا نتنزل ونقول: ما دام في هذه المرة تغيرت هيئته ووجهه ولباسه، واجتمع بالأنبياء وسمع من الغمامة هذا الصوت، فلا أقل من أن يكون ذلك مقدمة لرفعه ومقياسا، ومبدأ لتقويته وإيناسا.

واليهود لم يتحققوا من أنفسهم أنه هو المسيح. بل اعتمدوا على قول يهوذا كما تقدم لك. ويهوذا قوله قول فرد، وغير صالح للاحتجاج. للاحتمالات والأدلة التي ذكرناها لك. فلم يبق في قول الفرقتين حجة أن المصلوب هو المسيح عليه السلام، لا شبهه. وأنا جيلهم حالها معلوم لديك. وبيان اشتباههم المحكيّ لك في القرآن، لا يخفى عليك. انتهى.

وهنا سؤال يورده بعض النصارى وهو: أن عيسى عليه السلام إذا كان لم يصلب حقيقة، وإنما صلب رجل ألقي عليه شبهه، ورفع هو إلى السماء، فلم لم يخبر الحواريين بذلك قبل رفعه أو بعده؟

والجواب: أن عيسى عليه السلام لم يخبر بذلك لعلمه بأن أناسا سيفترون عليه ويقولون بألوهيته. فأبهم الأمر ليكون ذلك أدل على كونه عبدا من عبيد الله. لا يقدر على جلب نفع ولا دفع ضر. بخلاف ما لو أخير بأنه لا يصلب، أو لم يصلب، وأن المصلوب شبهه، فإنه ربما كان ذلك مقويا لشبهة أولئك الجماعة. ولعدم كون هذه المسألة من المسائل الاعتقادية في الأصل. إذ لو اعتقد أحد، قبل إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام، بصلب عيسى، لم يضره ذلك. لكن لما ورد نبينا الذي لا ينطق عن الهوى، أبان خطأ النصارى في الوجهين: أحدهما- اعتقاد أن عيسى إله- والآخر اعتقاد أنه قد قتل وصلب. وأبان أنه عبد من عبيد الله تعالى تولاه بالرسالة.

واصطفاه وحفظه من أيدي أعدائه وحماه، كذا في (منية الاذكاء في قصص الأنبياء) .

[فصل في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب]

قال القرافيّ: اعلم أن النصارى قالوا: إنهم واليهود أمتان عظيمتان طبقوا مشارق الأرض ومغاربها. وكلهم يخبر أن المسيح عليه السلام صلب. وهم عدد

<<  <  ج: ص:  >  >>