حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ هذه الليلة. لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية. ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل. فأجاب بطرس وقال له:
وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا. قال له يسوع: الحق أقول لك. إنك هذه الليلة، قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. انتهى.
فقد شهد عليهم بالشك. بل خيرهم بطرس الذي هو خليفة عليهم، شك.
فقد انخرمت الثقة بأقوالهم. وصح قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ.
سادسها- إن في (الفصل السابع والعشرين) من (إنجيل متى) ما لفظه:
حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين، ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ. قائلا: قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا. فقالوا: ما علمنا. أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه. انتهى.
فهذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه. بل فيها اختلافات. فيحتمل أن يهوذا كذب عليهم في قوله (هو هذا) ويدل على وقوع ذلك، ويقرّبه ظهور ندمه بعد هذا.
ولا سيما وهو من جملة الاثني عشر الذين شهد لهم المسيح بالسعادة الأبدية.
والسعيد لا يتم منه مثل هذا الفساد العظيم. فيلزم إما أنّ يهوذا ما دل عليه، أو كون المسيح ما شهد لهم بالسعادة الدائمة. أو إن أناجيلهم محرفة مبدلة. ويحتمل أن أحد أتباع المسيح باع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح عليه السلام. وادعى أنه هو. ومثل هذا كثير في أتباع الأنبياء. حيث يريدون أن يفدوا أنفسهم بدل أنبيائه.
ويحتمل أن الأعوان أخذوا عليه رشوة وأطلقوه، وأخذوا بدله. كما أن يهوذا، مع أنه صديقه ورسوله، أخذ رشوة ودلهم عليه. ويحتمل أن الله تعالى أرسل شيطانا على صورته وصلبوه. ويحتمل أن الملك الذي نزل عليه ليقويه، كما تقدم في إنجيل لوقا بزعمهم، صار فداء له. ويحتمل أن هذا الذي نزل إنما نزل لرفعه. لأنه لو كان نازلا لتقويته لقوّاه. فلما لم نر أنه قواه فيقتضي أنه رفعه إلى السماء، أو فدى نفسه له.
وقال بعض الأفاضل: ومن الأدلة على رفعه وصلب شبهه ما في الفصل التاسع من (إنجيل لوقا) ما لفظه: أن المسيح صعد إلى جبل ليصلي وأخذ بطرس ويوحنا ويعقوب معه. وفيما هو يصلي صارت هيئته ووجهه متغيرة، ولباسه مضيئا لامعا. إلخ.
فهذا فيه دلالة على رفعه وحصول الشبه الذي نقول به. إذ لا معنى لظهور موسى وإيلياء، ووقوع النوم على أصحابه، وتغير وجهه وإضاءة لباسه، إلا رفعه..