خمرا وزيتا للأنبياء عليهم السلام. وإذا جوزوا مثل هذا فيجوز إلقاء الشبه من غير استحالة. على أن عيسى عليه السلام قد خولفت عادة الله تعالى الأغلبية في خلقه من ماء واحد. ونفخ جبريل في جيب مريم. فجعل شبهه على غيره ليس بأبعد من العادة، من خلقه. على أن إحياءه للموتى وإبراءه للأبرص والأكمه أعظم من إلقاء شبهه على غيره. على أن عروجه إلى السماء بناسوته وخرق السماء والتئامها، ليس بأهون من ذلك. على أن رد الشمس ليوشع بن نون، ومشي عيسى وحواريّه على الماء، وسائر معجزات أنبياء بني إسرائيل، ليس بأهون مما هنالك. وإذا صح عند النصارى انقلاب الخبز إلى جسد المسيح، والخمر إلى دمه في العشاء السرّي، لم لا يمكن أن يوقع شبهه على أحدهم؟ كما لا يخفى.
وثانيها- أن الإنجيل ناطق بأن المسيح عليه السلام نشأ بين ظهراني اليهود.
وحضر مرارا عديدة في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم. يعظهم ويعلمهم ويناظرهم.
ويتعجبون من براعته وكثرة تحصيله. حتى إنهم (كما في الإنجيل) يقولون: أليس هذا ابن يوسف؟ أليست أمه مريم؟ أليس إخوته عندنا؟ فمن أين له هذه الحكمة؟
وإذا، كان في غاية الشهرة والمعرفة عندهم. وقد نص الإنجيل على أنهم عند إرادة الصلب لم يحققوه، حتى دفعوا لتلميذه ثلاثين درهما ليدلهم عليه. فما حاجتهم حينئذ أن يكتروا رجلا من تلاميذه ليعرفهم شخصه؟ لولا وقوع الشبه الذي نقول به.
وثالثها- أنه كما تقدم في الأناجيل، أخذ في حندس من الليل المظلم في حالة شوّهت صورته وغيّرت محاسنه وهيئته، بالضرب والسحب وأنواع النكال الموجبة لتغير الحال. ومثل ذلك يوجب اللبس بين الشيء وخلافه. فكيف بين الشيء وشبهه؟ حتى إن رئيس الكهنة عند إحضاره أقسم عليه هل هو يسوع المسيح ابن الله؟ فلم يجبه. ولو كان هو لأجابه. فمن أين للنصارى واليهود القطع بأن المصلوب هو عين عيسى عليه السلام دون شبهه؟ بل إنما يحصل الظن والتخمين كما قال تعالى في كتابه المبين: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ.
رابعها- قد تقدم في الأناجيل أنه لما جاء اليهود إلى محله خرج إليهم وقال:
من تريدون؟ قالوا: يسوع. وقد خفى شخصه عليهم. ففعل ذلك مرتين وهم ينكرون صورته. وهذا دليل الشبهة، ورفع عيسى عليه السلام. ولا سيما وقد نقل غير واحد من العلماء عن بعض النصارى القول بأن المسيح عليه السلام كان قد أعطي قوة التحول من صورة إلى صورة.
خامسها- قول متى في (الفصل الخامس والعشرين) من (إنجيله) ما لفظه: